bah أمُّ الرّحمةِ، أمُّ الحرّيةِ والبطولةِ - بيروت تايمز جريدة يومية لبنانية وعربية تصدر في اميركا Beirut Times Daily Lebanese newspaper

أمُّ الرّحمةِ، أمُّ الحرّيةِ والبطولةِ

09/29/2025 - 00:44 AM

Prestige Jewelry

 

الخوري الدكتور نبيل مونس *

 

إذا أردنا التوغّل في جوهرِ الألوهةِ، نكتشفُ فورًا سرَّ الرّحمةِ، ونلامسُ إشعاعاتِها اللامحدودةِ التي تتغلغلُ في الوجودِ ومكنوناتِه. كلمةُ "الأمّ" تأخذُنا إلى أقصى درجاتِ الحنانِ والرّقةِ والرّأفةِ، فيما "الرّحمةُ" تقودُنا إلى لبِّ الوجودِ الإلهيّ، إلى قلبِ عمليّةِ الخلقِ، والحرّيةِ، والبطولةِ.

نعم، يا مريم، أنتِ التي جاءَ منها الخلاصُ والفداءُ والرّحمةُ الأبديّةُ. لولاكِ، يا عروسَ الرّوحِ والرّحمةِ، يا سلطانةَ السّلامِ، وسيّدةَ الحرّيةِ الحقّةِ المُطلقةِ، يا من خلّصتِ الإنسانَ من كلّ أشكالِ العبوديّةِ. ومع ذلك، لا نزالُ نرزحُ تحت قبضةِ الشرّيرِ الحَسودِ، القاتلِ المُخادِعِ، ذاك الذي كبّلَ الإنسانَ بسلاسلِ الفسادِ والشّهواتِ، وأبشعُها التسلّطُ على رقابِ العبادِ، واستعبادُهم وإذلالُهم. فمنذ السقطةِ الأولى، والإنسانُ يكرّرُ السقوطَ والخطايا، ويستغلّ كلّ الحججِ، وبكلّ ما أوتي من قوّةٍ، للسيطرةِ على الآخرِ، ولو كان أخًا أو قريبًا.

في عيدكِ، يا أمَّ الرّحمةِ، نستذكرُ كيف تدخّلتِ في مجرى تاريخِ المأسورينَ المقيّدينَ بسلاسلِ العبوديّةِ، فألهمتِ القدّيسينَ والملوكَ في الكنيسةِ آنذاك، ليحرّروا إخوتَهم من الأسرِ والأعمالِ الشاقّةِ بالسُّخرةِ، فأنقذتِ ما لا يقلّ عن مليونين من المسجونينَ والأسرى في البلادِ الإسلاميّةِ خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر. فيكِ تجلّت أسمى معاني رسالةِ أمّ الرّحمةِ، وأمّ الحرّيةِ، وأمّ البطولةِ، لا سيّما أنّكِ ألهمتِ كثيرين من أبنائكِ روحَ الغيرةِ المسيحيّةِ، أي تقدمةَ الذاتِ فديةً لإطلاقِ سراحِ الأسرى والمخطوفينَ المعرّضينَ للتعذيبِ، والأشغالِ الشاقّةِ، والسلاسلِ، والقهرِ.

أجل، أنتِ أمُّ البطولةِ المسيحيّةِ، سيّدةُ الفداءِ الأسمى، تسيرينَ على خطى المسيحِ، ملكِ المحبّةِ الحقيقيّةِ الكاملةِ، حتّى التضحيةِ العظمى، والقيامِ بالفعلِ الفدائيّ بذاته، من أجلِ خلاصِ العالمِ، وفكِّ أسرِ الأرواحِ من كلِّ أنواعِ العبوديّةِ.

فيا أمَّ الرّحمةِ، ابقَي قريبةً من لبنان ومن شرقِنا العربيّ. أطلقي أسرانا. إبكي مع الباكين، وافرحي مع الفَرِحين المحرَّرين.

إسمعْ لنا يا يسوع، يا حملَ اللهِ الحاملِ خطايا العالمِ، وخلّصْ شبابَنا في بلدانِ العالَم من العبوديّاتِ الجديدةِ الإرهابيّةِ المؤدلَجةِ، المليئةِ بالموتِ والمتفجّراتِ القاتلةِ. خلّصنا يا يسوع، نسألكَ بإلحاحٍ هذه النّعمةَ، بحقِّ دموعِ أمّكِ، أمِّنا مريم، أمِّ الرّحمةِ، والحرّيةِ المقدّسةِ، وأمِّ البطولةِ الحقّةِ.

 

* الخوري الدكتور نبيل مونس، مؤسّس اللجنة اللاهوتيّة للسّلام في لبنان، يُعدّ من الشخصيات الروحيّة والفكريّة المرموقة، إذ يجمع في خدمته بين الرسالة الكهنوتيّة والرؤية الثقافيّة المتنورة. يتولى خدمة رعيّة سيّدة لبنان المارونيّة في ولاية أوكلاهوما الأميركيّة، حيث يحرص على أن تكون الكنيسة منبرًا للرجاء، وواحةً للانتماء الروحي والثقافي، يلتقي فيها اللبنانيّون والعرب في ظلّ المحبّة والإيمان.

من خلال خدمته في رعيّة سيّدة لبنان المارونيّة في أوكلاهوما – الأميركيّة، يجسّد الأب مونس رسالة الكنيسة في المهجر، ويُكرّس جهوده لتكون الكنيسة مساحةً جامعةً، تنبض بالانتماء والهوية، وتُعانق تطلّعات المؤمنين في الغربة، بروحٍ منفتحةٍ على الآخر، ومتمسّكة بجذورها الروحيّة والثقافيّة.

 

 

 

 

Share

Comments

There are no comments for this article yet. Be the first to comment now!

Add your comment