د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب *
السعودية كفاعل مركزي قادر على إدارة التوازنات، ودفع المجتمع الدولي نحو موقف أكثر عدلا، خصوصا بعدما نجحت السعودية في جعل الملف الفلسطيني كملف شرعية دولية لا مجرد نزاع إقليمي كما تود إسرائيل تصويره وبعض الدول التي لديها مشاريع تلتقي مع المشروع الصهيوني الإسرائيلي في المنطقة.
وعد الدولة الفلسطينية على رمزيته سيفتح الباب أمام فرصة تاريخية لإنهاء الاحتلال والمجازر وإقامة الدولة الفلسطينية، بعد مرحلة تكاثر الأزمات التي خلفها نتنياهو واليمين الإسرائيلي المتطرف، بل تضاعفت التناقضات المفتعلة، حتى أصبحت كل خطوة نحو الأمام لا تثمر حلا سياسيا، بل تعميقا لمشكلة أكبر عصية على الحل، وسعى نتنياهو إلى تحقيق وهم أمن إسرائيل بلا سلام، ومارس قوة بلا شرعية، وتحالفات داخلية بلا استقرار، كل ذلك أدى إلى مزيد من عزلة إسرائيل كما حذر ترمب إسرائيل من تلك العزلة المتزايدة.
الاجتماع الدولي الذي استضافته السعودية وفرنسا في يوليو 2025 أعاد تسليط الضوء على محورية القضية الفلسطينية، خصوصا في ظل تفاقم الإبادة الإسرائيلية في غزة التي حولت إسرائيل من ممارسة دور الضحية إلى ممارسة دور الجلاد، جعلت الشارع العالمي ينتفض ضدها ويضغط على حكوماته، لذلك عندما زار نتنياهو أمريكا اجتمع باللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وتحدث عن خطر الأسلحة وأنها تتغير على رأسها أدوات التواصل الاجتماعي، وأعتبر أن هناك دعاية معادية للصهيونية وطالبهم بتوجيه العقول وخنق الحق عبر السيطرة على أدوات المعركة أبرزها توك توك تراه السلاح الأهم سيكون لها تأثير لصالح إسرائيل، ومنصة اكس معتبرا أن أيلون ماسك صديق الصهيونية، وحذر من صحوة اليمين في أمريكا أسماه بالرايخ المستيقظ وهم لا يختلفون عن اليسار المستيقظ أيضا ويلتقون في بعض الأحيان.
واعتبر الأمير فيصل بن فرحان أن إنهاء الحرب في غزة شرط أساسي للمضي قدما نحو إقامة الدولة الفلسطينية، ولا يمكن تحقيق الاستقرار دون سلام عادل وشامل، وكانت رسالة الأمير محمد بن سلمان لأمريكا كفى عبثا بالسلام عواقبه وخيمة، أحبطت تلك الرسالة خطة إسرائيل ضم الضفة الغربية، ما جعل الرئيس ترمب في اليوم التالي لمؤتمر نيويورك لإقامة الدولة الفلسطينية دعا بعض قادة الدول العربية والإسلامية لمناقشة الأزمة في غزة، وقدم وعدا بعدم ضم إسرائيل الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين الذين لديهم جوازات أردنية، ويبلغ تعدادهم ثلث سكان الضفة الغربية، بعدما استوعب الرئيس ترمب رسالة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي أوصلها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، وجاء رد ترمب سريعا خصوصا بعدما وجد موقف عربي إسلامي موحد من تلك القضية والأزمة، عندها أعلن ترمب عن خطة سلام مكونة من 21 نقطة لإنهاء الحرب في غزة، قادت إلى تصريحات لافتة ومتزامنة حيث صرح نتنياهو لفوكس نيوز بان قادة حماس يمكن أن يخرجوا من غزة آمنين، متزامنا مع تصريح أحد قادة حماس بان الحركة لا ترغب في حكم غزة هذه التصريحات تسبق اجتماع نتنياهو مع ترمب في البيت الأبيض في 29 سبتمبر 2025.
أكد المبعوث الرئاسي الأمريكي ستيف ويتكوف أن خطة ترمب ال21 نقطة تهدف إلى حل دائم للصراع الممتد منذ عقود، مع تعديلات عربية أدخلت على مبادرة ويتكوف كوشنر بلير لوقف الحرب في غزة، شملت بانسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة، ونصت أيضا تلك التعديلات على إدارة فلسطينية من التكنوقراط لقطاع غزة بإشراف من مجلس الأمن، كذلك تنص المبادرة بعد التعديلات على ان تضع حركة حماس سلاحها بدلا من نزع السلاح، يتزامن ذلك مع تأييد الجمعية للأمم المتحدة إعلان من 7 صفحات يطالب بوقف الحرب في غزة وتعزيز مسار حل الدولتين، وسط مقاطعة من إسرائيل والولايات المتحدة.
تعتبر السعودية القضية الفلسطينية مركزية بالنسبة لها منذ عهد الملك عبد العزيز عندما كتب لروزفلت عام 1945 إن ضاقت بالعرب السبل فلن يترددوا في الدفاع عن أنفسهم وأجيالهم، كلمات تنبأت بصراع طويل الأمد لم يزل يلقى بظلاله حتى اليوم، وقاد الملك فهد رحمه الله مبادرته في 1981 في قمة فاس، لكن العرب لم يتفقوا على مبادرة الملك فهد، تأجلت القمة من قبل المستضيف الملك الحسن رحمه الله وجعل القمة قائمة حتى ضربت أزمات المنطقة منها احتلال إسرائيل لبيروت عام 1982 فرضت على العرب الموافقة على مبادرة الملك فهد في قمة فأس 1982، وسميت بالمبادرة العربية بعد إضفاء تعديلات عليها، تجددت تلك المبادرة في بيروت بقيادة الملك عبد الله رحمه الله عندما كان وليا للعهد 2002 وأصبحت المبادرة العربية مطروحة على الطاولة من قبل العرب لإحلال السلام.
يبدو ان الفرصة اليوم سانحة لتحقيق لسلام في المنطقة وإنهاء الصراع من أجل تفرغ المنطقة للتنمية وتتحول إلى أوروبا الجديدة يشترك فيها العالم ويلتقي الحزام والطريق بالممر الهندي الأخضر المار بدول الخليج ينتهي في أوروبا بعد المرور بسوريا.
* أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة ام القرى سابقا
Dr_mahboob1@hotmail.com
Comments